إن من أكبر الأخطاء التربوية أننا نبادر بحل المشاكل التي تواجه أبنائنا الصغار. وهذا الأسلوب مخالف للمنهج القرآني في تربية الأبناء. لا مانع أن يساعد الوالدان أبنائهما في حل مشاكلهما من باب التدريب ولفترة محدودة حتى يصبح الابن ناضجا . لا أن تكون بشكل دائم. والأصل أن يصل الطفل إلى مرحلة النضج في اتخاذ قرارته المالية والاجتماعية والحياتية قبل مرحلة البلوغ وهذا ما يدعونا إليه القرآن. فمن أمثلة تحمل المسؤولية المالية للطفل في آية اليتامى قال تعالى (وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَٱدْفَعُوٓاْ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا). فالقرآن يأمرنا أن نسلم اليتامى أموالهم وهم في سن 13 أو 14 إن بدت عليهم علامات الرشد. وهذا يعنى أن تعامل ابنك على أنه رجل قبيل البلوغ.
قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام
وتأمل معي في قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام عندما حمل الأب مسؤولية اتخاذ قرار الحياة لإبنه الذي لم يتجاوز عمره 10 سنوات فقال (يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) فطلب منه الرأي وهو صغير لم يبلغ. ولكنه رد عليه (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين). فالأب يطلب رأي ابنه في مسألة كبيرة وهذا يعملنا أن نتكلم مع أبنائنا في الشؤون الكبيرة وأن نربطهم بواقعهم. وكان رد الإبن لأبيه ناضجا عندما قال أن يجعله الله من الصابرين. فالطفل قد يعطي رأيا طفوليا ولكن مع التربية والتوجيه والتكرار سيخرج لنا طفلا ناضجا.
إقرأ أيضا:20 فكرة لتحسين علاقاتك بالأخرينقصة مريم عليها السلام
وقصة ثالثة مع مريم عليها السلام حين تمثل لها الروح أي جبريل بشرا سويا (قالت إني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا. قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا. قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشرا ولم أك بغيا) من أين لها وهي ابنة التسع سنوات هذه الثقة وقوة المواجهة والحوار ومعلومة أن العلاقة بين الرجل والمرأة تأتي بالطفل. وأن هناك نساء باغيات يمارسن الحرام. إنه التعليم المبكر لمهارات وقضايا الحياة. فهذا يعلمنا ان نبدأ تعليم ابنائنا كل قضايا الحياة قبيل البلوغ. ويعني ان نحدثهم عن اجسادهم وعن ميولهم وعن العلاقات بين البشر وعن الحقائق والاوصاف كما هي. فهذه المعرفة الكبيرة في حقائق الحياة تصقل الشخصية وتعزز الثقة وتزيد الخبرة وتولد الحكمة وتربي الطفل على النضج قبل البلوغ.
وليس التربية القرآنية فقط هي التي تدعونا أن نعامل الطفل مثل الكبار حتى ينضج قبل البلوغ. بل حتى التوجيهات النبوية كذلك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (علموا اولادكم الصلاة ابناء سبع واضربوهم عليها ابناء عشر). فان المقصود من ذلك اعتبار ابن العشر سنوات مسؤولا عن صلاته وعن كل تكاليف ربه له وذلك من باب التربية المبكرة على الصلاة. فتحميل الطفل مسؤولية قراراته ونظام حياته من المهارات التي تعجل نضجه مبكرا
إقرأ أيضا:كيف أجعل زوجي يفكر بي على مدار الساعة الدكتور جاسم المطوعفإرشادات القرآن والسنة تحقق كل نصائح المختصين في التربية. ففيها تهياه الطفل نفسيا على الرجولة بشكل مبكر. وربط الطفل بواقعه وتحميله المسؤوليات.وتكليفه بالمهمات. واخذ رايه في الامور المصيرية. وتعميق معرفته بحقائق الحياة. أما ما نشاهده في واقعنا اليوم أن الأم أو الأب يحاول أن يحل كل مشكلة تواجه الطفل ولا يحمله أي مسؤولية في الحياة فهذا المنهج يخرج لنا أطفال مهلهلين ضعفاء الشخصية
مقال د. جاسم المطوع